الاثنين، 6 فبراير 2012

لغز البحث عن الهوية المصرية ...صادق


لا شك أن لكل بلد عربي خصوصيته الحيوية -كما لكل بلدان العالم - إن في حالته الحالية او في مراحل تطوره خلال الحقب التاريخية التي مرت عليه وهذه الخصوصية تحكمها دائما الحالة الإجتماعية الإقتصادية والسياسية لمجتمع هذه البلدان والتي يصنعها شعبه بمختلف إفرازاته في مواجهة التحديات الناشئة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وبهذا المفهوم يصبح لكل نجع و قرية خصوصيتها في العموم


ورغم ما تقدمه لنا كتب التاريخ من وصف لطبيعة التلاقح الحضاري في منطقتنا منذ ما قبل الحقبة الفرعونية وهو صحيح إلى حد ما وصفيا .. فنرى مثلا أن الاحتلال العثماني لكامل الوطن العربي لأكثر من أربعة قرون وجميع محاولات التتريك التي جرت عليه لم تستطع أن تنزع الخصوصية عن شتى مناطقه .. وحتى نظم المدنية في الدولة القطرية الحديثة لن تستطيع ذلك أيضا وسيبقى لابن أسوان خصوصيته التي تميزه عن الاسكندراني مثلا .. وهكذا فمسألة الانتماء القومي لا تحدد بالخصوصية أبدا بل بالملامح والمصالح العامة ..


ولكن شرذمة من مثقفي الصالونات عبر قراءة كتب التاريخ المتاح توصلت إلى استنتاج فيه خلط وتجاهل لكثير من الحقائق والتداعيات التي أدت إلى الواقع الحالي .. والحقيقة أن هذا الموقف كما أوردت قد اتخذته قلة قليلة ادعت انها النخبة ( النخبة كلمة بحاجة لتعريف )
وقد أصابها مرض الانسلاخ الذي يصيب المثقفين الحالمين حينما يشلهم الضعف والخوف واليأس في مواجهة تفاقم التحديات الوطنية الكبرى السياسية والاجتماعية والاقتصادية فينكفئون إلى الوراء في محاولة انهزامية ( تقودهم إلى مواقف خيانية ) للتخلص من المشكلة بإلصاقها أو تعليقها على مسألة الانتماء وقد عُرِف مثل هؤلاء في جميع المجتمعات والبلدان وعلى مدى التاريخ ولن أخوض في هذا الآن ولنتابع ..

فالمشكلات والتحديات التي تواجهها مصر وهي تشبه التحديات والمشكلات التي تواجهها معظم البلدان العربية بل ومعظم بلدان العالم مثل المشكلات الأساسية ( الجوع والعطش والفقر والمرض ) والمشكلات الأخرى مثل العجز الاقتصادي والتفاقم السكاني والمسألة الثقافية والحريات ... كل هذه المشكلات التي تواجهها مصر ليست بسبب أن شعبها عربي الانتماء ولن تحل بتغيير انتمائه, ولكي نفهم هذا الأمر أورد مثلا :

ان الصراع العربي مع الكيان الأسرائيلي المتأجج منذ أكثر من نصف قرن أكانت خلقته ظروف استعمارية أم ظروف سياسية في بلادنا هل يمكن حله بتغيير الانتماء ؟؟
هل يمكن ان نقول للإسرائيليين تحولوا إلى عرب فينحل الصراع ؟؟ أم ان مغتصب الأرض سيبقى مغتصبا لها والمشرد سيبقى مشرد والمشكلة لا تحل ..؟؟


ولهذا أقول أكنت مثقفا أو غير مثقف ومهما كان لونك السياسي فإنه عليك أن تقبل :

1- إن أي كيان سياسي مهما بلغ من القدم والعراقة والكبر يحتاج في عصرنا هذا إلى الانخراط في تحالفات اقليمية ودولية لضمان حصته وتأثيره المتوازن في القرار الإقليمي خصوصا والدولي عموما من أجل الحفاظ على مصلحته الوطنية والقومية وهذا ما دفع القوميات الأوربية الكبرى إلى الانخراط في اتحادات امتدت من القطاعات , العسكري إلى الاقتصادي والسياسي وحتى الدستوري ( الاتحاد الأوربي ) , وانظر إلى التجربة التركية الآن وقد شددت تحالفاتها وانتماءاتها الإسلامية والعربية والتي ظهرت الآن كقوة إقليمية مهمة (أصبحت عضوا في مجموعة العشرين ) وكانت قد بقيت تحت لواء العلمانية والتعصب القومي ( الانسلاخ ) منذ الحرب العالمية الثانية تتسول عضوية المجموعة الأوربية دون جدوى .. هذا باختصار ولن أطيل .. وعليه فان مصر بحاجة ماسة لانتمائها العربي والإسلامي لدعم مصالحها الوطنية وأمنها القومي مثلما كل بلدان العالم الإسلامي والعربي بحاجة لهذا الانتماء ..

2- إن العملية السياسية في كل بيئة ومجتمع تحكمها وتؤثر فيها عدة مؤشرات ليس من بينها ماتسمي نفسها النخبة الثقافية - الصالونية - المنعزلة عن المجتمع وإنما هما شريكين اثنين :
أ- حاكم يملك كل أدوات السلطة ( السياسية والاقتصادية )
ب- محكوم يحمل كل أدوات الثورة عندما تنضج الظروف - ليس بالضرورة ثورة دموية مسلحة أو حرب أهلية فقد تحصل الثورات الخضراء والبيضاء والبرتقالية _
أدوات الثورة ( مشكلات إجتماعية إقتصادية متفاقمة - قيادة شعبية ذات مصداقية تفرزها الأحداث تطرح وتطور حلولا أكثر إقناعا ومنطقية للتحديات المتفاقمة)

3- وفي النهاية يمكننا القول ان من يحدد الهوية القومية لأي دولة هو شعبها الذي يعيش على أرضها وليس الشعوب التي بادت على أرضها ولا الدراسات التاريخية ولا الباحثون التاريخيون ولا مثقفو الصالونات وفوق ذلك أيضا لا تنسى نظرة الدول والشعوب الأخرى إليك ..

4- فالغرب على المستوى الرسمي والشعبي يعتبرنا جميعا عربا وعندما يتخذ إجراءات أمنية مثلا ضد العرب والمسلمين نراه لا يميز بين مصري و سعودي و لبناني , بل وأكثر من ذلك فانه يلحظ في جميع مستنداته الأمنية والسياسية والديبلوماسية توصيفا أقليميا شاملا لنا إذ يطلقون علينا تصنيفا سياسيا هو شرق أوسطيين ..!!

نعم هذا هو المضحك فعلا .. هم يصنفوننا وفق روابط متينة تجمعنا يرونها فينا ونحن الذين نرفض هذه الروابط وندعو للفرقة ..!!
غريب أمركم أيها المثقفين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق