الاثنين، 6 فبراير 2012

اكتناز الرؤى في نص"خصوبة" للمبدع صادق حمزة منذر

اكتناز الرؤى في نص"خصوبة" للمبدع صادق حمزة منذر 

قراءة : رضا الزواوي

 
اللوحة الإبداعية:
============

خصوبة(1)

يتدنّى(2)...
و ينحني ليقطف زهرة تسامت بكل أريجها لتصل إليه، ولحظة يلتقيان...
تكون الـ هي والـ هو قد أنجزا حزنا...
ضمّ دمعته، وقطرة نَداها في وعاء تويجها؛ لينتهي فصل المتعة إلى وجه من أوجه الألم...


الرؤية النقدية:
==========

مع البدء:
======

أقرّ أني عدت للنص مرات؛ لأكتشف في كلّ مرة أني أخطأت في تذكر العنوان إذْ يتناهى إلى سمع قلمي صوت المخاض؛ فأُلقي السمع فإذا بي في مسرح الخصوبة؛ فنحن إذاً أمام صوت-بوح-مخاض-ولادة رباعية تأخذنا على جناح مسرح الحياة حيث تختفي تفاصيل الصرخة-الحنجرة في اهتزاز اللهاث-اللهاة!
فالـ"خصوبة" والـ"هو" مع الـ"هي" كوّنت ثلاثيا خصبا كـ"مثلث برمودا" تختفي فيه الرؤى بمجرد اقترابها من سناء المخاض الحامل للفجر القابع في "بطن ظلمة هائمة"!
فالعنوان عبارة عن فخّ ماتع خصب ينبئ عما وراءه من ولادة متعددة الأجنة!

في البدء:
======


بدت لنا اللوحة كأرض خصبة توزعت خصوبتها ما بين جنبات دلالية متنوعة، تشتمل على هندسة رائقة جعلت التوغل فيها سياحة فكرية شائقة، فلتتأملوا معي:

أوّلا: خصوبة المعاني الدلالية:
================


يختزن النص بين "أروقته" "تربة دلالية" حبلى بالمعاني يتنافس فيها الإشاري مع الدلالي في ألق؛ فلنبدأ إذا:

ينحني -- تسامت

الانحناء= الحنوّ -- ولادة حزن
السموّ لم يقابله علوّ وارتقاء وإنما انحناء؛ فكانت النتيجة ارتطام بالواقع واصطدام بالأرض بعيدا عن الأحلام والسماء
تسامت = حلم
انحنى = ألم
ناتج الانحناءة أثناء السموّ = حزن
لحظة الالتقاء لم تكنْ في الواقع-الأرض(الانحناء)، ولا في الحلم-السماء(السموّ) بل يبدو أنها كانت في نقطة-برزخ بين انحناءته، وسموّها، بين أرضه، وسمائها.

وفي لحظة اللقاء-المخاض:

(ضمّ دمعته، وقطرة نداها)

وتعود ثنائية الألم، والحلم، والمخاض، والولادة من جديد:
دمعته(الألم) المخاض - قطرة نداها(الحلم) الولادة
يعودان هذه المرة ليس بالتلاقي بل بالاندماج، والاتحاد من خلال (الضّمّ)

معادلة الأمل-الألم-المخاض-الولادة:

دعنا نخلع عنّا عباءة النص، ونبحر في تفاصيله علّنا نظفر بـ"ثمرة" أراها تختال من خلال بستان اللوحة التي بين أيدينا!

1- الـ"هو"-حبة اللقاح ------ الـ"هي"=الزهرة
تشتمل حبة اللقاح على العديد من العناصر التي تدخل في تكوينها، مثل مادة "الروبين" التي تدخل في تركيب الشعيرات الدموية وتزيد من قوه التصاق خلاياها بعضها ببعض وفى حالة نقص هذه المادة تصبح الثغرات الموجودة بين الخلايا واسعة مما يزيد "ارتشاح" السوائل منها، وهو ما يعرف بـ"الارتشاح" المائي، وهو ما عبّر عنه الكاتب في قوله:

(ضمّ دمعته، وقطرة نَداها)

فهل نحن أمام حبة "لقاح دامعة" بها ثغرة حرمتها من الاتحاد الموجب؛ فحرمت الزهرة من خصوبتها، ومنعت تحولها إلى ثمرة؛ فكان ما عبّر عنه الكاتب بالحزن كأفضل إنجاز نتيجة اللقاء المخضّب بالألم!

...
هل هي إذا رحلة حبة لقاح تسوقها رياح حالمة نحو زهرة ترنو إلى سماء غدها-الحلم؟!
أم هي نهاية حلم بخصب تشظى نتيجة تمدد سيل الألم على حساب ذرات الحلم المتناثرة من صرخة بائسة؛ أُطلقت ذات مخاض حالم بخصوبة لم تجئْ، أو لم تحنْ؟!

2- الـ"هو" -المواطن-رياح التغيير ----- الـ"هي" الأرض-الثورة
هنا تبرز لنا النظرة الحذرة، والرؤيا الممتزجة بالخوف من المستقبل؛ فالمخاض واحد، والوليد واحد لكنّ التفاؤل يختلف رغم الأمنية الواحدة!
فرغم وجود الزهرة، وقطرة الندى، والأريج تتهادى الدمعة، ويهتز الألم على جناح دمعة؛ ليهميَ الألم، إذا نحن أمام نظرة تشاؤمية ربما لمستقبل تتجاذبه أمنيات، وواقع مؤلم، فالخوف من أن يُؤتى الحلم-الحذر من قبله-مأمنه جعل الألوان تتحد في بياض يغمره سواد اللحظة الهاربة من لوحة باطنها دمعة، ومن قبلها السراب!

وبين رؤيا الزهرة، ورؤى الثورة يبقى المخاض وارفا مبشرا بثمرة أينعت وحان قطافها، فكيف، تُرى، سيكون طعم هذه الثمرة اليانعة؟!
...

ثانيا: خصوبة الحقل اللغوي:
===============

رغم قصر النص القصصي فإن الحقل الدلالي اللغوي كان ثريّا، مما يدلّ على نجاح الكاتب في عملية "الاختزال" الموجب، الذي جعل نصه واضحا، متماسكا، متناسقا، وكنموذج نقدم مجموعتيْن تلخصان اتساع مدى المبنى في خدمة المعنى، واتساع فضاء العبارة في إطار الكلمات المختارة.

المجموعة الأولى:

الفعل: موجب-(الـ"هو") يتدنّى-ينحني-يقطف
ردّ الفعل: موجب- (الـ"هي") تسامت-تصل
الناتج الأول: موجب-(الـ"هما") (مشترك) يلتقيان
الناتج الثاني: موجب-(الـ"هما") (مشترك) أنجزا (حزنا)

نلحظ هنا وجود تواصل بين الـ"هو" الفاعل، والـ"هي" الفاعلة وبالتالي وجود إنجاز ما...

المجموعة الثانية:

الفعل: موجب-(الـ"هو") ضمّ (عزف منفرد!)
ردّ الفعل: سلبي-(الـ"ضمير المستتر الـ"هي") صمت (عزف منفرد!)
الناتج النهائي: سلبي-(بين الـ"هما") ينتهي (مشترك) تحوّل (وجه من أوجه الألم)

ينعدم التواصل الإيجابي هنا، وكأننا أمام حالة من "الخرس الزوجي" أو "التواصل السلبي" مما سبّب ناتجا برّر الهوة بولادة الألم!

في هذه اللوحة-الحديقة تبدو الضمائر كالفراشات التي تحلق حولها الأفعال، وإن كنّا نلحظ تبادل الأدوار في زمن الفعل بين الـ"هو" والـ"هي" فتارة "يرتع" هو في الحاضر لتلحق به هي عبر الماضي (المجموعة الأولى)، وطورا يحلق الـ"هو" ممتدّا إلى الماضي محاولا الاقتراب من عالمها؛ لكن يبدو أنها الـ"هي" كذلك حاولت الاقتراب من عالمه الحاضر؛ فنتج عن تحليقها عكس اتجاه رياح رغبة كليهما عدم التواصل الإيجابي(المجموعة الثانية)، وبالتالي عدم اكتمال اللوحة رغم حضور "الرسام"!
...

ثالثا: خصوبة المجال النفسي:
================


ماذا لو تساءلتم عمّا يوقظه النص في نفوسكم إذا قمتم بتنشيط لاوعيكم خلال قراءتكم لهذه اللوحة الإبداعية؟!
ماذا لو تنقلتم ما بين :"الأريكة، والمقعد "حيث يكون النص(على الأريكة)، ويكون أحدكم(على المقعد)؟!
فلتجرّبوا معي الإبحار:

يتدنّى(1)...
و ينحني ليقطف زهرة تسامت بكل أريجها لتصل إليه، ولحظة يلتقيان...
تكون الـ هي والـ هو قد أنجزا حزنا...
ضمّ دمعته، وقطرة نَداها في وعاء تويجها؛ لينتهي فصل المتعة إلى وجه من أوجه الألم...


بنظرة خاطفة لنفسية الـ"هو" تبدو لنا مهتزّة متردّدة غير فاعلة يغلب عليها الانفعال، والاتكال أحيانا، فـ"هو" يحسب خطواته وهو في مكانه، ويتعامل مع الساكن في حركته بحذر ينبئ باهتزاز ثقته في نفسه، واضطرابها مما يشير إلى عدم توازنه النفسي، وكأننا به بين شقيْ رحى تتناوبه ما بين الثابت، والمتحول؛ فتربكه؛ وهذا ما يحيل إنجازه إلى قتامة (الحزن) رغم إغراقه في الألوان (الزهرة)...
كما يبدو لنا الـ"هو" منفصلا عن "بهجة الآخر" (الـ"هي") مكتئبا حدّ إرباك الـ"هي" لإدخالها في عالمه "الداكن"...
فنظام الإرشاد الداخلي لدى الـ"هو" يبدو أنه يعمل للفشل، فأداة البحث عن الهدف لديه سلبية، ومنطقة الممكن تبدو مهتزّة، مما جعل استجاباته العاطفية متوترة، ونتج عنها عدم عمل "النظام الإرشادي" الداخلي لدى الـ"هو" بكفاءة توصله إلى تجاوز الواقع القاتم وصولا إلى مستقبل حالم!
أما (الـ"هي") فتبدو من الوهلة الأولى حالمة متفائلة لها نظرة رائقة للحياة وللآخر (الـ"هو") لكنّ عدم قدرة الآخر (الـ"هو") على التواصل الإيجابي معها، والتعالي على "جرحه" أو "واقعه "الجارح" جعل ألوانها "تتفسخ" بتأثير الـ"هو" على نفسيتها؛ فينتهي فصل "متعتها" بوجه(هو وجه الـ"هو") من وجوه الألم الزاحفة من عالمه (عالم الـ"هو") المضطرب المؤلم إلى عالمها (عالم الـ"هي") المبهج الحالم...
نحن إذا أمام عالميْن مختلفين حاول أحدهما احتواء الآخر؛ فاكتوى الآخر ببرودة ردة الفعل التي اعتلت صهوة السواد رغم اتشاحها بالبياض!
ويمكننا، ونحن نرى "الإنجاز" السلبي رغم الأرضية الموجبة، أن نردد مع مقولة "لا يوجد الكثير من الضحايا في الحياة، بل يوجد الكثير من المتطوعين"!
فهل "الـ"هو" والـ"هي" متطوعيْن على طريق "الحزن والسواد"؟!
...

رابعا: خصوبة البعد الاجتماعي:
=================

يبدو التواصل الاجتماعي بين طرفيْ المعادلة في انطلاقته طبيعيا إذ أنّ هناك، ظاهرا، توافقا نفسيا بين الـ"هو" ، والـ"هي":

( ينحني ليقطف زهرة تسامت بكل أريجها لتصل إليه...)

فهل تكفي الرغبة الخارجية الظاهرة؛ لتؤسس لاجتماع يعقبه الفرح؟
وهل تكفي مقدمة حالمة؛ لاقتناص خاتمة مبهجة؟
الواقع يثبت نتيجتيْن إحداهما لا توافق حتما المسار المشاعري الظاهري، وهي التي أثبتها الكاتب:

(ولحظة يلتقيان...
تكون الـ هي والـ هو قد أنجزا حزنا...)

فاللقاء لم يكن التقاء بل نوعا من الفراق، أو لقاء تذكيريا بجراح سابقة، أو التقاء ساكنا لم ينتج تواصلا طبيعيا، أو لقاء غير مشروع أورث ألما وحزنا مصداقا لمقولة "رُبّ شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا"(3)
وهذا ما جعل نهاية فصول "اللقاء" تتحوّل من "متعة" إلى "ألم"!

(ضمّ دمعته، وقطرة نَداها في وعاء تويجها؛ لينتهي فصل المتعة إلى وجه من أوجه الألم...)

فهل هي علاقة طبيعية لكنها أحادية الإحساس، أم أنه الإحساس المزدوج الممتع في علاقة غير طبيعية تنتج عادة وجها من وجوه الألم قد يتلوّن رغم سواده من موقف إلى آخر!
...

خامسا: ...
======
...
لا يزال في النص رؤى تسندها دلالات نتركها لباقي السائحين علهم ينيرون لنا جوانب بقيت مظلمة في هذه اللوحة الشائقة...

ختاما:
====

نستطيع القول بأنّ من سيبحر على خطى رؤاه في هذه اللوحة الباذخة سيكتشف، ولا شك، بقايا حلم تمطى على صوت الصدى الفاره المتمدد من إطار لوحة مبدعنا صادق حمزة منذر...
ننتظر شذى رؤاكم أحبتي...

========
(1)
ألقاها الكاتب بنفسه في الغرفة الصوتية في سهرة يوم الخميس 2012/01/26 م وأوردها مكتوبة في الغرفة بعد قراءتها.

(2) في الأصل "يتدانى" وليتفق المعنى مع المبنى، وتستقيم دلالة اللفظ كان علينا استبدال الفعل المسند للغائب بفعل مسند للغائبين(هما) ليصبح: يتدانيان أي يدنو أحدهما من الآخر، أو الحفاظ على المسند إليه(ضمير الغائب) كما هو، وتغيير الفعل ليصبح "تدنّى"؛ لتنتفيَ المشاركة ويصبح دالا على الدنوّ قليلا قليلا من الآخر، وهذا ما رأيته الأقرب حسب السياق العام للوحة الإبداعية، وأرجو أن يوافق رؤية المبدع.

(3) يقال إنها لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق