الأحد، 5 فبراير 2012

هدية من السماء...سليمى

هدية من السماء


كم هو رائع أن يعاودك الحنين الى الماضي الجميل
خاصة عالم الطفولة على بساطته عندما عشته أو عندما ترى مشهدا كنت تراه وانت طفل صغير...
أو تلتقي بشخص يعيدك الى الماضي الجميل ببراءته .

حينها تسترجع ذكريات الطفولة و تستعيد حكياتها الساحرة البريئة..بكل منا طفل بداخله ..
كل يوم تستيقظ عصافير الطفولة بدواخلنا وتراودها تلك الابتسامة العذبة التي كانت لدينا حين كنا نشكل عبقا جميلا.

كانت طفولتنا تجسد جميع أنواع المحبة .. حب الانسان للانسان .. حب الانسان للطيور والطبيعة والحيوان ..
كنا نحلم بآمال كبيرة للمستقبل البعيد .. نكبر ...وتكبر معنا أحلامنا وآمالنا ...
في هذه اللحظة وأنا أكتب أعيش طفولتي عبر ذكرياتي التي مازالت تدغدغ حواسي..
وكثيرا ما استعين بها في حياتي الان ..قبل أيام توصلت من أحد الأفراد بهدية جميلة ..
ذكرتني بأجمل هدية تلقيتها في حياتي .. هدية ليست ككل الهدايا .. انها هدية فعلا من السماء .. هدية من الله .




هدية من الله



وأنا طفلة في السادسة من عمري كنت بالجنوب التونسي حيث الطبيعة ساحرة رغم الجفاف...
هناك..نملك ومازلنا اراضي الزيتون واللوز والكروم فنرحل اليها كلما كان لنا موسم جني او تفقد الأرض .
ذات فجر والشمس مازالت في خدرها، أصطحبنا عمي انا و والدتي الى تلك الحقول
وكلّي لهفة للوصول الى هناك.
يا لجمال الطبيعة البكر...يا للون السماء..ورعشة أوراق اشجار الزيتون...
كل شيئ يوحي بالجمال..


كنت ألعب وأجري في المساحات الشاسعة وأحيانا أتسلق الأشجار ثم أمرح بحرية في تلك المساحات الخضراء الشاسعة...
أطارد الفراشات أو الطيور وحين يأخد مني التعب، أجلس على جذع شجرة على الأرض اتامل المكان واشبّع عيني بالجمال..
كنت أحلق بخيالي وأنظر الى السماء البعيدة فجاة، سمعت أصواتا تحت الجذع أصواتا رقيقة وكانها اتية من جوف الارض.
وضعت أذني على الجذع لأتبين مصدرها كانت شبيهة بالنقرات .. جلست على ركبتي أستطلع مصدرها ..
فتفاجأت بعدد كبير من بيض العصافير .. انها نقرات فراخ العصافير داخل البيض ..يا للمفاجأة المذهلة التي هزت وجداني
حتى انفاسي كادت ان تتوقف.


عددها قرابة ستون بيضة .. كم كانت فرحتي كبيرة كأنني عثرت على كنز من تلك الكنوز في قصص السندباد.
أخدت البيض برفق ووضعته في قطعة قماش كبيرة وربطت أطراف القماش بين نخلتين .. كأنه سرير متدلي و متحرك ..
كنت أحرك السرير برفق يمينا ويسارا كأنني أحرك مهد طفل صغير .. طلعت الشمس من مخدعها البعيد ..
و أخذت تتهادى بغنج ودلال كعروس الزياتين و بدأت ترسل أشعتها على الدوح والحرارة تدبّ الى البيض.


وكانت اربعة عصافير تحوم فوق رأسي تطلق أصواتا مختلفة عرفت ان البيض لاكثر من ابوين .. خفت قليلا ..
لكنني تمالكت نفسي وبعفوية الطفولة البريئة قلت لنفسي ابنة السادسة يجب أن لاتخاف من العصافير الطائرة لأنني ابنة الأرض ..
وابنة الصخور الثابتة والطبيعة القاسية الجميلة ..


جلبت الماء والطعام وانتظرت أن تخرج من البيض .. شعرت بطعم الأمومة وأنا ابنة ست سنوات .. لفت انتباهي تحركات بداخل الدوح
وأصوات تنبعث منه .. انها الفراخ بدأت تخرج من بيضها .. كنت أمسك بالفرخ مباشرة بعد خروجه من البيضة وأسقيه من فمي ..

هكذا فعلت مع كل الفراخ واحدا تلو الآخر .. واهتممت بها طوال اليوم.. و كانت بالحقول العديد من أشجار التين ..
فأفتح التينة وألتقط حبيباتها الصغيرة وأعيد اللعبة لعبة الاطعام .. وهكذا أطعمت كل العصافير ..
لأنني كنت أعتبر ما قمت به لعبة في سني .. وكنت بين الفينة والأخرى أتركها لأمرح وألعب وألتقط الأعشاب اليابسة والخضراء
من هنا وهناك لأضعها على عديلة الحصان حتى أتمكن من أن أفرشها للعصافير الصغيرة وأجعلها كعش حين عودتنا الى البيت ..
حملت معي كنزي الثمين الذي أهداه لي الله وعدت الى "الحوش" أي البيت الكبير مع والدتي وفرشت الأعشاب التي التقطتها
في مكان جميل اخترته يطل على الطريق المؤدية الى البئر وهو طريق وسط واحة نخيل غاية في الجمال ..
بقيت عصافيري معي لأيام معدودة وحين لاحظت أن ريشها تقوى وانها تحاول الطيران .. قررت أن أقوم بمساعدتها ..
كنت أمسك بكل عصفور

وألقيه في الهواء وأنظر اليه يبتعدا .. و أذرف دمعة ساخنة كلما قمت بارسال عصفور الى الهواء وهو يتوارى عن ناظري ..

ذرفت 60 دمعة ..


رغم الحزن الذي احتواني حينها الا أنني وفي تلك السن كنت أعلم أن سعادة العصافير في حريتها.

فشكرا لله على تلك الهديّة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق